من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -175- سيكون مع الأستاذة ينار محمد – رئيسة منظمة حرية المرأة في العراق – حول: احتفال بالثامن من مارس ام وقفة تحدّي لبُنى اجتماعية معادية للمرأة.
بقدرما أود الاحتفال بالثامن من مارس كرمز لنهوض المرأة وثورتها بالضد من الاضطهاد والاستغلال، ومشاركتها كجزءٍ لا يُستهان به من ثورة مستمرة لربيع أول وثانٍ أو ثالث، إلا اني لست قادرة على غضّ الأنظار عن الكوارث التي تحلّ على المرأة في العراق من قبيل بيعها وشرائها كسلعة في وضح النهار في مناطق داعش، او في ظلام الليل وكسلعة ايضاً في مناطق غير داعش، ومن تجويع وحط للكرامة للنازحات في المخيمات ، ومن فرض للدونية على جميع جنس الاناث في العراق بواسطة قوانين وثقافة وممارسات السلطة الحاكمة في بغداد. وبقدرما نود ان نفكر بالمرأة كمناضلة وصاحبة إرادة حرة وليس كضحية، الا ان عدد ضحايا السبي والاغتصاب والاستغلال الجنسي والتجويع والاضطهاد اصبح اكثر منا جميعاً، مما يستحضر وقفة وتفكير بتركيز النضال السياسي التحرري تجاه حماية المرأة من عنف الاضطهاد والعبودية والاستغلال الموجه ضدها.
ولذا لا أرى مصداقية في اي نضالٍ لا يضع سلامة وكرامة المرأة ومساواتها على قمة شعاراته. وأي كلامٍ حول أولويات اخرى، ونظريات مراحل، او التعامل مع قضية المرأة تعاملاً ذيلياً وتابعاً، هو مجرد هُراء لببغاوات عمياء غير قادرة على قراءة جدلية للواقع المُعاش، ترفض ان ترى وتلمس معاناة وآلام الشريحة الأكثر عرضةً للاضطهاد والاستغلال في المجتمع. ومعظم هذه الجماعات تريد من المرأة ان تنخرط بصفوفهم لكي تقوّيهم، ولكن دون ان تتوقع هذه النساء منهم الدفاع عن قضاياها بنفس الاصرار، ولا حتى بأي إصرار. وفي رأيي، لا يليق باعتبار المرأة ان تصطف في ساحات النضال مع من يتغافلون عن الهجمة الشرسة التي تتعرض هي لها، ويرفضون ايلاء الأولوية لقضاياها، بل ويتحاورون ويتحالفون مع تيارات معادية للمرأة وتكرّس عبوديتها للرجل.
ولذا اتوجه بنداء مخلص الى كل مناضلي اليسار في العراق؛ ارفعوا شعار الدفاع عن مساواة المرأة في ساحات النضال كما في داخل بيوتكم التي اعتدتم ان تحافظوا فيها على ميّزات الهيمنة الذكورية ودونية المرأة. وبعد ان ترجعوا أيام الجمع من ساحات التحرير الى داخل بيوتكم، لا تتقمصوا الدور الذي تتمناه منكم الرأسمالية، الا وهو دور البرجوازي السيد المطاع الذي تخدمه زوجته وبناته بالطبخ والرعاية القسرية بعمل منزلي اجباري غير مدفوع الأجر. اذ ان نمط علاقات العبودية واستغلال عمل الآخر (الأنثى) داخل الأسرة، إن هو سوى نموذج مصغّر لاستغلال الطبقة الحاكمة لعمل الطبقة العاملة مع ابقائهم تحت القمع والاضطهاد طالما العلاقة مستمرة على ما هي عليه.
الحطّ من كرامة المرأة عنوان للحقبة السياسية الحالية
في خضم حروب داخلية هيأت لها الامبريالية بعد احتلال العراق، نشهد كوارث اقتلاع مجتمعات برمتها كالمجتمع اليزيدي، ومجازر جماعية للرجال واستعباد للنساء والاطفال، بما لا يمكن تفسيره الا بكونه اعلاناً عن بداية انهيار اسس بناء المجتمع العراقي، حيث قد يؤدي هذا الانهيار الى مجازر وممارسات شبيهة في اي جزء من العراق.
عندما يتقبل الجار ان يستعبد إبنة جاره اليزيدي في مدينة سنجار لمجرد كونها من دين آخر، لا يمكن ان يكون ذلك تصرفاً فرديا لشخص مريض، بل هو نتاج ثقافة برجوازية تمارس تقسيم المجتمع الى أكثرية دينية مهيمنة وأقلية مضطهدة ومُحتَقرة، لكي تخلق النزاع ما بين اجزاء المجتمع وتسود هي بسياسات احتكار ثروات المجتمع لمصالح امبريالية تمتص الثروات وتترك الجوع والأزمات.
عندما يتم اقتياد آلاف النساء ضمن باصات نظامية من مدينة كوجو الى الموصل ليتم بيعهن كعبيد في وضح النهار بما يدرّ الأرباح على الدولة الاسلامية وذلك ضمن استعراض لهيمنة إسلامية-ذكورية؛ ليس ذلك تصرفٌ لعصابة مجنونة، بل هي ثقافة الطبقة السائدة التي ترى من المسلمين الذكور فئة مميّزة يمكنها استعباد الاناث والإمعان في اذلالهن ان كانوا من دينٍ آخر. وإلا، فلماذا يستجيب الافراد في العراق على جريمة منظّمة كهذي بالدفاع عن الاسلام و”حقيقة” هذا الدين، بينما يهملون مسألة الدفاع عن المرأة المستلبة، وكأن ذلك ليس موضوعاً يستحق النقاش أصلاً، وهو موقف يحمل في ضمنه معانٍ مخيفة ومواقف في قمة الاستهانة بالمرأة.
عندما يصبح سبي المرأة واغتصابها مراراً وتكراراً ممارسة سياسية مقبولة بالضد من العدو الديني اوالطائفي او حتى من الافراد الرافضين لحكم داعش دون ان يثير ذلك استنكاراً يوحّد المجتمع حوله، يدلّ ذلك على خلل كبير في المنظومة القيّمية الاجتماعية. وبكل تأكيد يعكس نظرة متدنية للغاية للمرأة الوحيدة او المستضعفة التي ليست اختاً او زوجةً لرجل ما- اي ملكيته ووسيلة انتاج اطفاله. وبنفس المنوال تنتقم نفس العقلية من هذه المرأة او تلك على جريرة زوجها او اخيها كونها امتداداً له، دون ان يكون هناك اي اعتبار لها كإنسان مستقل ذو حقوق. اذ ان النظرة للمرأة على انها ملكية لذكر يهيمن عليها ويضمن كونها وسيلة لانتاج اطفاله، هي احدى الركائز التي تعتمد عليها الرأسمالية وتتحالف مع المؤسسات الدينية لكي تكرّس الممارسات والقوانين تجاه ما لا يمكن تعريفه الا بكونه عبودية المرأة وملكية جسدها.
عندما تكون تهمة الإرهاب جاهزة للاستعمال بالضد من امرأة “سنية” لغرض استغلالها جنسيا من قبل ميليشيات تدّعي تحرير المدينة من داعش؛ وعندما يتم ملء بيوت مقاتلي داعش بنساء يزيديات واطفال كدروع بشرية تتساقط قبل قصف المقاتلين؛ وعندما يمنع عسكر الاسايش امرأة “عربية” واطفالها من العبور الى كركوك هربا من بطش وبؤس وممارسات داعشية في الحويجة ويرجعونها مرارا وتكرارا الى حيثما اتت غير آبهين بما يحدث لها؛ وعندما تصبح المرأة هي الضحية الأولى للحروب الدينية والطائفية والقومية ويصبح الحطّ من كرامتها هو العنوان الأكبر لحقبة سياسية حالية دون ان يكون للمجتمع جواب على ذلك او وقفة بالضد من تحقيرها، تتضّح ماهية وجوهر المرحلة التي يمر بها المجتمع العراقي: حيث ان السياسة الرأسمالية في تمكين مؤسسات تقسيم البشر على أساس الدين والطائفة والقومية والجنس قد خلقت من حروب الهيمنة الاجتماعية ما لا نهاية، ومما يوفر الأرضية للتمييز والاستعباد بتراتبية سلطوية هرمية يجلس في اعلاها ذكور الطبقة الحاكمة من الاسلاميين الشيعة، بينما تعاني اكثر ما تعانيه وهن في اسفل هرم التراتبية السلطوية نساء الطوائف المهمّشة كالنساء اليزيديات. وعندما نسترجع قرار سياسة الاحتلال الامبريالية قبل ثلاثة عشر عاماً لتمكين الاسلاميين الشيعة بان يستلموا زمام الحكم في العراق، يمكننا مباشرةً ان نربط الاحداث المتتالية ببعضها حول كل ما تبع ذلك من تشريع قوانين بالضد من المرأة ومن ممارسات اضطهاد للمنطقة الغربية كونها “سنية”، واحياءهم لنمط من العلاقات الاجتماعية التسلّطية ما بين الرجل والمرأة مما ينتمي الى علاقات الانتاج ما قبل الرأسمالية.
عندما يصبح المجتمع رهينة لثقافة ودين وتقاليد الطبقة السياسية السائدة والتي تُملي علاقات تسلّطية وعدوانية بين الرجل والمرأة، تتحوّل المرأة الى موقع دوني داخل الأسرة، اي بمثابة البروليتاريا المستغّلة من قبل الرجل-الذي يمكن تشبيهه بالرأسمالي. وهذه المنظومة تفرض على المرأة وظائف “الزوجة” و”الأم” وكل ما يتطلب ذلك من عمل منزلي غير مدفوع الأجر وكونها وسيلة لانتاج مزيد من البشر العمال للنظام الراسمالي. وبدورها البرجوازية تمنح الرجل المكانة العليا داخل العائلة حيث يكون السيد المطاع، وتشرّع له القوانين مما يدعم ذلك. وبالرغم من استغلال البرجوازية لعمل الرجل، الا انها تمنحه مكانة مميّزة داخل اطار العائلة وتجعل العلاقة عدوانيةً بينه وبين المرأة. كما وتمنحه مؤسسة العائلة وحسب التشريعات الدينية والقانونية حق الملكية على جسد المرأة الزوجة كوسيلة لانتاج اطفاله. ولكي يكون قرار استغلال وسائل الانتاج بيد الرجل، تقوم البرجوازية وبمساهمة المؤسسة الدينية بتشريع قوانين تمنع الاجهاض كحق للمرأة، وتعظ في الأخلاق مما يجعل جسد المرأة ملكية خاصة للزوج وفي خلافه يتم قتل الزوجة المملوكة، بينما يستطيع هو ان “يثنّي ويثلّث ويربّع” كل ما يحلو له من النساء. اما اذا كانت المرأة عاملة خارج المنزل بالاضافة الى كونها عاملة داخل المنزل، فان ساعات عملها تكون اقل من الرجل ويوفّر للرأسمالية امكانية استغلالها اقصى استغلال باعطائها اقل اجر. وعادة لا يكون بمقدورها ان تحافظ على اجرها، مما يلغي كليا اية امكانية لها بتطوير ظروفها المعاشية او ان تصبح مالكة في يوم من الايام. وفي كل الاحوال، فان المرأة تشكل الشريحة الاكثر استغلالاً واضطهادا في المجتمع.
ان مزيجا من ايديولوجية تكريس دونية المرأة كما في الاسلام، بالاضافة الى عسكرتارية عشائرية ذكورية مطلقة اليد، قد تسببت بجرائم قتل النساء الفردية والجماعية على عموم العراق خلال تاريخه الحديث. ولعل افظع هذه الجرائم ما ارتُكب اثناء اوضاع الفوضى السياسية والكراهية الطائفية والدينية والقومية في ظل داعش حيث اصبحت جرائم الاغتصاب والسبي والقتل بالضد من النساء مسألة روتينية ولا تنفصل عن الممارسة السياسية اليومية لهذا النظام.
من بديهيات حالات الحروب والنزاعات المسلّحة، ان تكون النساء هي من يحافظ على لُحمة الأسر والمجتمعات واستمرارها. اذ بينما يحارب الرجال ضمن الجيش، الحشد، او الميليشيا، تظل النساء تجهد للحفاظ على الاطفال وكبار السن وتقاوم كل ما من شأنه ان يهدد أمن الأسرة والمجتمع. وعندما تصبح المرأة هي الهدف للانتقام والتمثيل بمجتمعٍ او طائفة بأسرها، وذلك بإيذائها والحطّ من كرامتها واغتصابها، بل وسبيها والتعامل معها بشكل بضاعة تدر بالارباح على النظام السياسي، فإن ذلك تدمير لنسيج المجتمع الذي كانت هي عماده الاخير. وفي ذلك ايضا اعلان وتكريس عن انهيار المنظومة القيمية برمتها وبداية لنهاية مجتمع غير قادر على مواجهة كوارث اقسامه السياسي. اذ ان المنظومة القيمية الدينية والعشائرية التي ابقت المرأة معظم حياتها تحت الاظطهاد والاستغلال لم تقدر على حمايتها من العدو السياسي والذي يحمل نفس المنظومة القيمية مع فارق بسيط من بعض التشدد ومزيدا من الوحشية، ولكنها قد ترجع لاحقا وبعد تحرير المدن من داعش الى معاقبة النساء من ضحايا الاغتصاب بتعريضهم للقتل “غسلا للعار” كطريقة لتسقيط بضاعة اسيء استعمالها ولم تعد ملكية خاصة.
وكون ذلك يحصل يومياً للآلاف من النساء، ويظل الكلام عنه من المحرّمات، وتنظيم الاعتراض الكبير والساحق ضده ضربا من ضروب الخيال، ففي ذلك معانٍ كثيرة: اهمها كون تحرّريّي هذا المجتمع ليسوا جاهزين للقدر المطلوب من المواجهة لقلع اسس فساد هذا الانهيار والمتأتية من تكريس ذكورية عشائرية مقيتة يبارك لها المشروع الاسلامي، وبتشجيع من السياسات الامبريالية التي لم تتوقف يوماً عن دعم المؤسستين بالنصح والتوجيه لغرض ادامة سيطرتها على مجتمع منقسم والحفاظ على احتكارها لحصة الاسد من نفط العراق.
قصة قصيرة بعنوان: عبرت سهام ام لا؟
اجتمعت عدة عوائل من الحويجة بعد طول معاناة من المجاعة والمرض وقرروا الهرب الى كركوك لكي يعبروا تجاه مناطق سيطرة الحكومة العراقية بعيدا عن البؤس والجوع والاعتداءات الجنسية التي تهددهم يومياً في ظل داعش. واعتقدوا انهم سيلقوا بعض التعاطف في طرف العراق. وبالرغم من كون المسافة بين المدينتين لا تتجاوز العشرين دقيقة بالسيارات، الا انها تأخذ أياما من المشي في الظلام بعيدا عن اعين داعش، وتتخللها انفجارات الالغام التي زرعتها داعش لكي يقتصوا من “الخونة” للدولة. يدأت هذه العوائل بمسيرة الهرب ولمدة ثلاثة أيام عانوا من العطش خلالها، وفقدوا البعض بسبب انفجار الالغام تحت اقدامهم. ومع وصولهم الى نقطة السيطرة المؤدية الى كركوك، وجدوا انفسهم تحت رحمة جنود الاقليم-الاسايش، الذين يسمحون العبور للناطقين بالكردية، بينما يقومون بارجاع الآخرين لكونهم “عرب” ارهابيين داعشيين. وبعد انتظار طويل وفترة من اليأس تبدأ العوائل الباقية الرجوع تجاه الحويجة وبنفس الظروف الصعبة، لكي يستلمهم مقاتلو داعش ويقتلوا الرجال لكونهم خانوا الدولة الإسلامية، ويضربون النساء والاطفال مع الشتم عليهم، بيد ان النساء الشابات يكون لها عقوبة من نوع آخر. وكان حظ سهام الشابة الجميلة والوحيدة في ذلك اليوم ان يأخذونها، لإضافتها الى جمع النساء اليزيديات المستعبدات في دار استراحة تابعة لمقاتلي داعش (بيت البرلماني العبيدي سابقا). ويكون مصير سهام مثل مصير اخواتها المعتقلات هناك: اغتصابات متتالية على مدار الساعة اثناء النهار والليل ولغرض الترويح عن اي من مقاتل داعشي. ويُقال انها كانت ضحية اكثر من سبع وعشرين اغتصابا في ذلك اليوم.
هل هي معضلة داعشية فقط؟
عندما يتم التداول بمأساة سهام والنساء الاخريات في المجتمع، واعدادهن تزيد عن كل التوقعات، يكون رد الفعل الأول للسامعين بان: “… إسلام داعش ليس بالإسلام الحقيقي، بل هو ممارسة وهابية متشددة”. اي أن أول ما يتبادر للأذهان لدى السامعين أن يدافعوا عن الدين قبل ان يدافعوا عن المرأة الضحية. كما ويفكرون كذلك بـ”العرض” اي شرف العشيرة/ العائلة. وآخر ما يخطر على بالهم سلامة النساء ومصيرهم واعادة اعتبارهم، مما لا يُعتبر مسألة مهمة اصلاً. بحيث يكون التعامل مع خبر انتحار الضحايا تعاملاً عرضياً وكأنه مسألة شخصية وليست معضلة اجتماعية.
وبنفس المنوال، تمتلئ الملاهي وبيوت البغاء في داخل العراق بيتيمات وأرامل الحروب المتتالية والنزاعات الطائفية واللواتي تم شراؤهن وبيعهن بأساليب شبيهة بالمنطقة الداعشية، لكي يكون الاغتصاب المتتالي نصيبهن اليومي، ولكن مع فارق واحد، وذلك كون مغتصبيهن من حواشي الطبقة الحاكمة في بغداد، ومستغليهن يمتهنون الاتجار ضمن تجارة تعتبر ثاني اكبر تجارة درّا للارباح في العالم بعد تجارة السلاح.
ان المعضلة ليست مجرد مشكلة داعشية الطابع، بل ان خلفياتها واسبابها متواجدة قبل ظهور داعش، وكنتيجة لأوضاع سياسية واجتماعية أضرّت بمكانة المرأة العراقية بشكل غير مسبوق خلال تاريخها الحديث، مجرّدةً اياها من مكانتها الاجتماعية. ان تمكين الاحتلال لأحزاب اسلامية معادية للمرأة وللانسانية بشكل عام، بل وتسليم الاحتلال وزارة العدل الى اكثر الاحزاب الاسلامية عداءً للمرأة (حزب الفضيلة) لم يكن من قبيل الصدفة. وان توجهاً دينياً اسلاميا يدعو الى تزويج (اغتصاب) الأناث الصغيرات كما في القانون الجعفري كان فصلاً سياسياً تم رفضه رفضاً قاطعاً من قبل يسار المجتمع في العراق في السنوات الثلاثة الاخيرة.ولعل التجربة كانت تمرينا لليسار بامتحان مدى قدرته على مقاومة ممارسات وحشية غير مقبولة في القرن الواحد والعشرين.
حول التظاهرات وثورات الربيع العربي
طالما المجتمع غير قادر على مواجهة مرض كراهية المرأة المتجذّرة في المنظومة القيمية الاسلامية والعشائرية، بل ويقوم الافراد المتظاهرون بتعريف انفسهم حسب عشائرهم وطوائفهم، فان كل محاولات التحرر والنضال السياسي المعادي لبرجوازية المنطقة الخضراء لن تأتي الا بنظم شبيهة وبنى فوقية تختلف اختلافا بسيطاً عن النظام الحاكم حالياً.
ولعل افضل دليل على ذلك ثورات الربيع العربي في البلدان الاخرى حيث تغير نظام الحكم ووصلت احزاب جديدة الى دفة السلطة. إلا ان اوضاع الطبقة العاملة والمرأة لم تتغير او تتطور قيد انملة مما يدل على عدم تغيير البنى الاجتماعية المستغّلة للكادحين والمعادية للمرأة. وبالرغم من المشاركة القوية للنساء بهذه الانتفاضات، الا انها كانت تثور تحت شعارات اجتماعية عمومية دون التركيز على مواجهة او القضاء على الاقطاب السياسية المسؤولة عن ادامة اظطهاد النساء كالمؤسسة الدينية والقومية العشائرية. وطالما كانت الدعاوى ديمقراطية عمومية تحت اطر ليبرالية، مما يفتح الطريق لمشاريع برجوازية متحالفة مع تيارات الاسلام السياسي كما حدث في مصر وتونس.
تستند الحكومة العراقية الممثلة لمصالح الامبريالية على المؤسسة الاسلامية الدينية وعلى العشائرية لفرض اوضاع مجتمع طبقي تحكمه اقلية ذكورية اسلامية تعتاش من إفقار جيش مليوني من الشباب المقاتل على طرفي النزاع الطائفي. كما وان فرض عسكرتارية حكومية وميليشياتية طائفية يسلط العنف والارهاب على ملايين من النساء اللواتي اصبحن مجرّدات من الإرادة ومعرضات لاستغلال كل من هبّ ودب، محوّلا اياهن الى ضحايا مثل سهام ونادية وغيرهن.
حول موقف اليسار من قضية المرأة
يحب على اليسار ان يحدد موقفه من المرأة ان كان جادا في الدفاع عن المجتمع خلال المأزق التاريخي الحالي الذي يمس صميم مكانة المرأة واعتبارها، وان يكف عن التعامل مع قضية المرأة كمسألة مؤجلة يتم حسمها حال وصول احزاب اليسار الى السلطة. لا تحتاج المرأة في القرن الواحد والعشرين ان تقنع العالم بانها حالها من حال رفيقها الرجل، صاحبة ارادة حرة وجديرة باطلاق وقيادة الثورات، اذ ان ساحات التحرير من تونس الى مصر والعراق تشهد مشاركة وقيادة النساء في كل منعطف تتأجج فيه موجة ثورية جديدة، حيث تتوقف أدوات البرجوازية من قوانين قمع المرأة عن العمل، وتثبت آنذاك اندفاعا لا يقل عن الرجال لقلب البنية الفوقية للمجتمع.
كما ان تعامل اليسار مع الحركة النسوية تعاملاً تابعاً وذيلياً قد أثبت فشله وسبب تراجع اليسار في تجارب عوب اخرى كما في دولة مثل امريكا، حيث فصلت الحركة النسوية وحركة الحقوق المدنية المناهضة للعنصرية صفوفها عن الشيوعية بعد ما لمسته من انعدام للمساواة الجنسية والعرقية داخل صفوفها. ولذا تنشأ الحاجة الى مراجعة منهجية من قبل اليسار حول كيفية التعامل مع المرأة وبشكل يحترم مكانتها المتقدمة كحركة ثورية تهدد الرأسمالية العالمية في القرن الحالي.
ان نظرة سريعة لمشاهد تظاهرات اليسار والكادحين في ساحة التحرير او ساحات التظاهرات في مدن الجنوب كفيلة بان تكشف حالة تجنب وعدم اكتراث اليسار لمعاناة ومآسي وعبودية المرأة في الواقع السياسي العراقي الجديد، اذ لا ترى شعاراً واحداً في الدفاع عن المرأة ومساواتها، ناهيك عن حريتها وسلامتها وكرامتها. فأي يسار هذا الذي يرفع شعارات حول الاصلاح، والفساد، والتكنوقراط، وشكل الدولة، وفرص العمل، ولكن لا ينتبه او يكترث لعشرات الآلاف من النساء من السبايا/الضحايا/ المستعبدات بسبب البنية الثقافية الفوقية للبرجوازية الاسلامية العشائرية الحاكمة. كما ان هذا اليسار في معظمه غير آبه بمجابهة المد الديني والعشائري الذي يأتي على حياة ومصائر العشرات من النساء يومياً. ولعل أجرأ ما تحدث به هذا الجمع هو دولة مدنية -دون اي تطرق للعلمانية او فصل الدين عن الدولة، ومن ثم يطلب دعم “المرجعية” لمشروعه في كل منعطف.
ولِماذا تشارك المرأة هذا الجمع اليساري المتظاهر ان كان لم يتحرر هو من ايديولوجيات الهيمنة الذكورية واستغلال المرأة واضطهادها؟ وكيف ينقذ هذا اليسار المجتمع من براثن السياسات الامبريالية التي عاثت الفساد بكل شكل وفي كل مكان، ولعل اهم اشكال هذا الفساد هو تحويل جيل من الشباب الى مقاتلي جياع يرتزقون ضمن الميليشيات، وجيل من الشابات الى بشر مجرّد من الإرادة والقرار بالتصرف بحياتهن مما جعلهن عرضة لكل انواع العنف والهيمنة والاستغلال. وهي هذه نتائج السياسات الاقتصادية النيوليبرالية والتي تسرق من افواه العمال/العاملات والكادحين/ الكادحات لكي تُغني وتثري البرجوازية المحلية والضامنة للمصالح الامبريالية المتجذرة في العراق.
في الثامن من مارس يوم المرأة العالمي
ان الموقف الثوري الحقيقي وبمناسبة الثامن من مارس هو وقفة شاملة تقتلع البنية الراسمالية البرجوازية للدولة العراقية والعمل تجاه تحقيق اشتراكية تضمن المساواة الاقتصادية والاجتماعية مع التأكيد على مساواة المرأة بالرجل والتي لا يمكن اعتبارها نتيجة اوتوماتيكية وتحصيل حاصل لاية ثورة يسارية. ولعل مثال الستالينية التي الغت معظم انجازات الثورة البلشفية للنساء افضل مثال على نموذج تحويل قضية المرأة الى مسألة تابعة وذيلية لحركة اخرى.
ان وقفة علمانية ونسوية جريئة مطلوبة من اليسار في هذا اليوم دون أي تأخير، ان كان يرى في نفسه ممثلاً لكل المجتمع وتطلعاته- ومع توضيحه بان مساواة المرأة بالرجل مبدأ لا يمكن التنازل عنه لغرض مغازلة المؤسسة العشائرية او الدينية الحاكمة.
كما ان المطلوب من المرأة ومنظمات المرأة ان تكون جريئة في طروحاتها ومواجهتها لأعداء المرأة وان تطلب الموقف ذاته من المجاميع السياسية المحيطة بها في ساحات النضال، وان تسعى لتحقيق الاشتراكية والمساواة في زمن بات الطمع والقمع والتمييز ان يتسبب بتدمير المجتمع.
وبهذه المناسبة نعبر عن تضامننا مع المرأة اليزيدية ونساء المنطقة الغربية والمرأة النازحة ونشيد بصلابتهن وجلدهن في الدفاع عن مجتمعاتهن.
عاشت المساواة التامة بين المرأة والرجل
عاش الثامن من مارس رمز نضالات المرأة التحررية